الاعلام و الصورة النمطية الجديده لرئيس الدولة
محمد حمدان
استاذ بمعهد الصحافه وعلوم الاخبار
يحتل الرئيس المنصف المرزوقي مكانة رئيسية في الاعلام التونسي لا تقل اهمية عن مكانة رئيسي تونس قبل الثورة بل انها تتجاوزها احيانا ليتعدى الاهتمام به اطار النشرات الاخبارية ليشمل مختلف الاركان الصحفية والفقرات البرامجية الاذاعية والتلفزية فضلا عما تتناقله عنه شبكات التواصل الاجتماعي .وقد كان التعامل الاعلامي السابق مع رئيسي الدولتين قبل الثورة يتسم بالطابع الرسمي الذي يتميز احيانا بالتقديس والهيبة والرهبة وكان الاعلام يساهم في ظاهرة عبادة الشخصية خصوصا خلال فترة الرئيس الحبيب بورقيبة الا ان التعامل الاعلامي مع رئيس الدولة تغير جذريا بعد التحول الديمقراطي للبلاد ولم يعد رئيس الدولة في صدارة الاخبار ولم تعد صورته واخباره تحظى بصدارة الترتيب ولم تعد تغطية اخباره محل مراقبة مسبقة مشددة بل بالعكس من ذلك اصبح الرئيس المرزوقي يعامل اعلاميا كشخصية سياسية لا تختلف عن غيرها من الفاعلين في الحياة السياسية واصبح محل نقد وانتقاد وفتح في الاعلام مجالا خصبا للاعلام الهزلي واصبح محل سخرية تصل الى الاستهزاء فاصبحت انشطته وتصريحاته تخضع احيانا للتحريف والتشويه والتلاعب ويصل تعامل بعض الاعلاميين مع الرئيس المرزوقي الى حد الثلب والشتم مما يهز جذريا من الصورة النمطية التي كان الاعلام يساهم في صنعها لرئيس الدولة .وبذلك تبلورت للرئيس صورة نمطية جديدة تتميز بسلبيتها.
وان كانت الثوره فسحت مجالات واسعه لحرية التعبير فان الاعلام يلعب دورا سلبيا في الحفاظ على قوة الدولة وهيبتها واستقرارها من خلال طريقة تعامله مع الرئيس المرزوقي بصفة خاصة ولا ننسي ان الرئيس يمثل في موروثنا الحضاري رمزا للدولة لا يقل اهمية عن العلم وعن النشيد الوطني ولا ننسي ان الرئيس يمثل صورة الاب والقائد والزعيم في مراحل عديدة من تاريخنا لذلك فان المس من هيبته يمثل هزة عميقة في المخيال العام للمنصب ويفتح المجال للمس من هيبة الدولة في حد ذاتها ومن قدسية الوطن ومن احترام كل المسؤولين على مختلف المستويات . واذا كان النقد والهزل حول رئيس الدولة مقبولين في الدول الغربية الديمقراطية فان التعامل الاعلامي الغربي مع رؤساء الدول يخضع مع ذلك لضوابط محددة يجدر الاستنارة بها واذا جاءت الديمقراطية بحق الشعب في تقرير مصيره فانها لا تعنى المس بمن تم تكليفهم بادارة الشأن العام في حياتهم الخاصة واذا كان الموروث السياسي يكرس قدسية الحاكم فان الوظيفة السياسية تحمل في طبيعتها بعض الطقوس والنواميس حتى في الدول الديمقراطية. واذا تفهمنا ان المرحلة الانتقالية الحالية تؤدي بصفة عادية الى بعض التجاوزات فان حرية لتعبير تتطلب بالضرورة بعض الضوابط التي يتعين على الاعلاميين مناقشتها واقرارها للحفاظ على هذا المكسب الهام
ولكن لا يجب مع ذلك تحميل مسؤولية هذه التحولات والانزلاقات الى الاعلام بمفرده ولا ريب ان هناك عدة عوامل موضوعية ساهمت في هذا التحول في تعامل الاعلام مع رئيس الدولة فالثورة حققت مكسبا رئيسيا يتمثل في القضاء على النظام الدكتاتوري الذي كان يجسده رئيس الدولة. كما كرست الثورة حرية التعبير كمكسب رئيسي لا مجال للتراجع عنه وقد جاء المرسوم 115 المتعلق بحرية الصحافة بالغاء جريمة النيل من كرامة رئيس الدولة التي كانت اداة رئيسية للرقابة الذاتية المسبقة من قبل الصحفيين خشية العقاب . واصبح الرئيس يعامل قانونيا مثل اي شخص اخر عندما يتعرض للثلب او الشتم بدون اي حماية خاصة كما جاء الدستور الصغير الذي وضعه المجلس التاسيسي بتحوير جذري في مكانة رئيس الدولة ضمن المؤسسات السياسية للبلاد وتقلصت صلاحيات الرئيس بموجب هذا الدستور الصغير ليصبح شخصية تمثل البلاد وتسود ولا تحكم على شاكلة النظم ابرلمانية والنظم المجلسية . وفضلا عن ذلك لعب الرئيس المرزوقي هو نفسه في تهشيم الصورة النمطية التي اعتاد الاعلام ان ينقلها عن رئيس الدولة . وغير المرزوقي من صورة رئيس الدولة من خلال لباسه البسيط ومن خلال تلقائيته في فتح القصر الرئاسي لكل الاطياف الاجتماعية وحتى من خلال طريقته في الجلوس وفي التخاطب وفي التعامل مع الصحفيين . ولم يكن الرئيس المرزوقي راضيا بدوره المحدود ضمن الهياكل السياسية مثلما كان شأن الرئيس فؤاد المبزع فكان حريصا على التدخل في الشأن العام اليومي بدون ان تكون له الصلاحيات الفعلية لتجسيد افكاره مما يعرضه للنقد والسخرية احيانا ومما يفقده مصداقيته . ومثل ماضيه الحقوقي الحداثي تناقضا مع تحالفه الحالي مع حزب النهضة في الحكم وهذا ما جعله محل نقد ايضا وهذا ما يفتح مجالا واسعا للسخرية من سلوكياته وتصريحاته وهذا ما يفسر تجرأ بعض الاعلاميين للنيل من شخصه حتى في حياته الخاصة وفي تصرفاته الشخصية التي لا ترتبط بوظيفه على رأس الدولة ,وهكذا يتحمل الاعلام جانبا من المسؤولية في تحريف الصورة النمطيه لرئيس الدولة ولكن تطور الوضع الاعلامي والسياسي بعد الثورة وسلوكيات الرئيس المرزوقي ساهما بدورهما في هذا التحول . ومن الضروري تعميق الحوار الوطني بين الاعلاميين انفسهم وبين السياسيين لاقرار ضوابط معقولة للحفاظ على رمزية هذا المنصب الهام على رأس الدولة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق