إجمالي مرات مشاهدة الصفحة
السبت، 15 يونيو 2013
الجمعة، 14 يونيو 2013
الأحد، 9 يونيو 2013
الاعلام بين امينه والمنقبة
الاعلام بين امينه والمنقبة
محمد حمدان
استاذ بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار
منشور في موقع باب نات
اندلعت منذ الاشهر الاولى للثورة التونسية قضية ما يسمى بالمنقبات وركزت وسائل الاعلام على هذه القضية واصبح عميد كلية الاداب بمنوبة الذي تصدى لظاهرة المنقبات بالنجومية في وسائل الاعلام الوطنية والعالمية وتواصلت متابعة القضية اعلاميا في مختلف مراحلها القضائية باهتمام بالغ . وفي المقابل برزت لنا في الاشهر الاخيرة ظاهرة الفتاة امينة كظاهرة فايسبوكية تطورت تدريجيا لتتناقلها وسائل الاعلام التقليدية و لتصبح من اهم المواضيع التي تتناولها وسائل الاعلام الاجنبية للحديث عن تونس وزاد في تعقيد القضية دخول متعريات اجنبيات في القضية لمساندة امينة الموقوفة والمحالة على القضاء واللاتي تعرضن هن ايضا للايقاف او للطرد من تونس وهذا ما اكسب القضية طابعا سياسيا وطنيا ودوليا ولكنه لكنه اكسبها ايضا طابعا اجتماعيا لتحديد مكانة المراة التونسية في مجتمع ما بعد الثورة واكسبها بالنسبة لنا كاعلاميين بعدا اعلاميا يتعلق بدور الاعلام في نحت مجتمعنا الديمقراطي الجديد ومن المفروض ان نحلله بكل برصانة ومن المفروض على الهيئة التعديلية للاعلام ان تناقشة وتبت فيه
البعد الاجتماعي
من الناحية الاجتماعية الصرفة تتميز المراة التونسية منذ استقلال تونس ومنذ صدور مجلة الاحوال الشخصية بنسبة متطورة من التحرر مقارنة بغيرها من النساء العربيات على المستوى القانوني على الاقل وظهرت قضية قمع المحجبات خلال حكم بن علي ولكن المراة التونسية تمكنت من تحقيق العديد من المكاسب دون ان تفرط في هويتها العربية الاسلامية ودون ان تنجرف للانبتات او الذوبان في المنظومة الغربية رغم الانفجار الاتصالي الذي افرزه البث المباشر للقنوات التلفزية ورغم اكتساح الانترنات لكل البيوت في العالم ليصبح ظاهرة كونية .وجاءت الثورة لتحدث اختلالا في التوازن الاجتماعي الذي كان قائما ولتطرح على بساط الدرس والجدل من جديد مسالة مكانة المراة في المجتمع وقضية علاقة المراة بجسدها ومفهوم الحياء العام والاخلاق الحميدة في المجتمع . وجاءت قضية المنقبات لتطرح من جديد هذه القضية من زاوية دينية كرد فعل ازاء الانحلال الذي تعتبر المنقبات ان تونس انساقت اليه في عهد بورقيبه وبن علي وللتعبير عن عودتهن الى القيم الاسلامية الاصيلة ولتاكيد تحررهن من خلال التاكيد على انهن لسن مجرد جسد للمتعة ووضع النقاب يمثل صيحة لتجاوز المنظور السائد للمراة كجسد. وفي المقابل ظهرت امينة لتؤكد ان جسدها ملك لها وليس من حق احد ان يتحكم فيه وهي حرة في تعريته ورغم التناقض الظاهر في الموقفين فانهما يعبران عن رغبة مشتركة في اعادة النظر في مكانة المراة وعن تخوف مشترك من مستقبل المراة وتبقى المنقبات والمتعريات مع ذلك ظاهرة هامشية لاتستحق الجل الكبير القائم حولهما.
التوظيف السياسي
ولا شك ان التيارات الساسية الاصولية والحداثية ركبت على الحدثين لتوظيفهما سياسيا فاظهرت حركة النهضة تسامحا مع ظاهرة المنقبات وابدت وزارة التعليم العالي ترددا في حسم القضية على مستوى الجامعة في حين استغلت المعارضة الحداثية القضية لتاليب الراي العام ضد النهضة ولاثارة التخوفات حول تراجع محتمل بخصوص مكاسب المراة. وعندما اندلعت قضية امينة استغلتها الاطراف الدينية الاصولية لتقديمها كنموذج للتفسخ الاخلاقي الذي يريد الحداثيون جرف المجتمع اليه وبقي هؤلاء الحداثيون في وضع محرج بين التاكيد على حق امينة في التعبير عن ارائها وفي التحكم في جسدها من ناحية والخشية من اتهامهم بالالحاد والخروج عن القيم العربية الاسلامية للمجتمع من ناحية اخرى , وتجاوز التوظيف السياسي البعد الوطني ليكتسب طابعا دوليا تتصارع من خلاله التيارات الاصولية القادمة علينا من الخليج والمشرق من ناحية والتيارات الليبرالية الحقوقية الوافدة علينا من الغرب من ناحية ثانية . واصبحت قضية امينة مصدرا للمساندة الغربية ضمن شبكة فيمن الدولية المعروفة وذهب البعض الى حد اتهام اطراف خفية بتمويل المنقبات وامينة لاثارة مثل هذه القضايا
الدور الاعلامي
والملفت للانتباه ان الاعلام الوطني التقليدي افرز حيزا هاما من اهتماماته لقضية المنقبات في حين بقيت قضية امينة محل اهتمام للشبكات الاجتماعية وللفايسبوك تحديدا .وفي حين بقيت قضية المنقبات مبنية للمجهول تم تشخيص قضية امينة لتصبح ظاهرة فردية .وكان تناول قضية امينة محتشما من قبل الاعلام المهني مقارنة بالمكانة التي اعطاها لمسالة المنقبات ومقارنة بالصدارة التي احتلتها امينة ومسانداتها في الاعلام الغربي المكتوب والسمعي البصري . وبعيدا عن التوظيف التجاري للقضيتين من قبل وسائل الاعلام لكسب المزيد من الجمهور ومن الاعلانات من خلال اعتمادها الاثارة, لم يقع طرح القضيتين اعلاميا بما يكفي من الرصانة والعمق للتحكم فيهما ولانارة الراي العام. ونحن لا نعرف ان كان للاعلام دور في الانتشار التدريجي لظاهرة المنقبات داخل المجتمع كما لا نعرف ان كانت امينة ستكون نموذجا لغيرها من التونسيات بعد التغطية الاعلامية الدولية الواسعة لقضيتها. ومن المفروض ان تنكب الهيئة التعديلية للاعلام لتحليل الظاهرتين ومناقشتهما لوضع استراتيخية وطنية للاعلام تتحدد الصورة التي يتعين لوسائل الاعلام التونسية الالتزام بها بخصوص مكانة المراة ومستقبلها في المجتمع .
اين الهيئة الاعلامية التعديلية من حماية الطفولة ؟
اين الهيئة الاعلامية التعديلية من حماية الطفولة ؟
محمد حمدان
استاذ بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار
طلعت علينا قناة التونسية مؤخرا في برنامج عندي ما نقلك بحوار بين طليقين يتشاجران بخصوص اثبات نسب ابن لهما للفراش . وانطلاقا من مقدمة مطولة للمنشط ابرز فيها حرفيته فاجأ المنشط الزوجة بان التحليل الجيني الذي تم القيام به يثبت ان الوليد ليس الابن البيولوجي للزوج . وبقطع النظر عن الطابع المثير والدرامي للخصام بين الطليقين فهذا يعني ان هذا الوليد الذي اصبح اليوم شابا اصبح معروفا لدى القاصي والداني بانه لقيط بما ان امه وطليقها ظهرا في الشاشة الصغيرة امام ملايين المشاهدين لينتهيا الى المس من حرمة حياته الخاصة . وليست هذه هي المرة الاولى التي يتورط فيه البرنامج وغيره من برامج تلفزيون الواقع في مثل هذه القضايا التي يندلع فيها خصام بين كهلين ويتسبب في النيل من سمعة احد الاطفال وفي التاثير على كامل مستقبله .
وبالنظر الى مهام الهيئات الاعلامية التعديلية في الدول الديمقراطية وعلى راسها المجلس الاعلى السمعي البصري الفرنسي نلاحظ ان حماية الطفولة تمثل احدى اهم مشمولاتها اذ تحرص على حماية الاطفال من مضار الاشهار وعلى تنبيه المشاهدين مسبقا حول السن الدنيا لمشاهدة بعض البرنامج اذا كان فيها عنف خطير او مشاهد اباحية تمس من التنشئة الطبيعية للاطفال .كما تحرص مثل هذه الهيئات على مراقبة البرامج الاجتماعية المشابهة للبرنامج المذكور حتى لا تنزلق في معالجتها لمشاكل الكبار في المس من مصالح الصغار . وتزداد اهمية هذه الوظيفة التعديلية لحماية الاطفال خطورة في بلادنا وهي تعيش مرحلة انتقال ديمقراطي يتميز بانفلات الامن وبانتشار العنف وبترويج مشاهد عنيفة مرعبة تمس من التكوين النفسي الطبيعي للاطفال وبتحرير مشاهدة البرامج الاباحية عبر الانترنات , وبقطع النظر عن هذا الطابع السياسي الانتقالي فان المرسوم 115 الخاص بحرية الصحافة الجديد جعل من انتهاك حقوق الطفل مبررا رئيسيا للعقاب بالسجن في جرائم الصحافة .
واذا كانت الهيئة التعديلية للاتصال السمعي البصري حديثة النشأة في تونس ولم تستكمل بعد ارساء هياكلها التنظيمية والمادية واذا كانت مواقفها من تعريفات البث الاذاعي مهمة ضمن مشمولاتها فان هذه الهيئة مدعوة اليوم بصفة اكثر الحاحا للنظر في معالجة قضايا هامة سيكون لها تاثير خطير على صيرورة المجتمع التونسي وعلى راسها قضية حماية الطفولة في وسائل الاعلام . وارتباطا بهذه القضية الحساسة فان صورة المرأة في وسائل الاعلام تستوجب هي ايضا عناية خاصة باعتبار المرأة مواطنا تونسيا كامل الحقوق قبل كل شئ وباعتبارها ايضا اما تسهر في مجتمعنا على تربية اطفالنا ورعايتهم . ولا يجب ان تلهينا المهام السياسية للهيئة مهما كانت اهميتها عن وظائفها التعديلية الخاصة بالمساهمة في نحت مجتمع ديمقراطي سليم يكون فيه للطفل الحق في التنشئة السليمة والمتوازنة
السبت، 8 يونيو 2013
الأحد، 2 يونيو 2013
الاعلام و الصورة النمطية الجديده لرئيس الدولة
الاعلام و الصورة النمطية الجديده لرئيس الدولة
محمد حمدان
استاذ بمعهد الصحافه وعلوم الاخبار
يحتل الرئيس المنصف المرزوقي مكانة رئيسية في الاعلام التونسي لا تقل اهمية عن مكانة رئيسي تونس قبل الثورة بل انها تتجاوزها احيانا ليتعدى الاهتمام به اطار النشرات الاخبارية ليشمل مختلف الاركان الصحفية والفقرات البرامجية الاذاعية والتلفزية فضلا عما تتناقله عنه شبكات التواصل الاجتماعي .وقد كان التعامل الاعلامي السابق مع رئيسي الدولتين قبل الثورة يتسم بالطابع الرسمي الذي يتميز احيانا بالتقديس والهيبة والرهبة وكان الاعلام يساهم في ظاهرة عبادة الشخصية خصوصا خلال فترة الرئيس الحبيب بورقيبة الا ان التعامل الاعلامي مع رئيس الدولة تغير جذريا بعد التحول الديمقراطي للبلاد ولم يعد رئيس الدولة في صدارة الاخبار ولم تعد صورته واخباره تحظى بصدارة الترتيب ولم تعد تغطية اخباره محل مراقبة مسبقة مشددة بل بالعكس من ذلك اصبح الرئيس المرزوقي يعامل اعلاميا كشخصية سياسية لا تختلف عن غيرها من الفاعلين في الحياة السياسية واصبح محل نقد وانتقاد وفتح في الاعلام مجالا خصبا للاعلام الهزلي واصبح محل سخرية تصل الى الاستهزاء فاصبحت انشطته وتصريحاته تخضع احيانا للتحريف والتشويه والتلاعب ويصل تعامل بعض الاعلاميين مع الرئيس المرزوقي الى حد الثلب والشتم مما يهز جذريا من الصورة النمطية التي كان الاعلام يساهم في صنعها لرئيس الدولة .وبذلك تبلورت للرئيس صورة نمطية جديدة تتميز بسلبيتها.
وان كانت الثوره فسحت مجالات واسعه لحرية التعبير فان الاعلام يلعب دورا سلبيا في الحفاظ على قوة الدولة وهيبتها واستقرارها من خلال طريقة تعامله مع الرئيس المرزوقي بصفة خاصة ولا ننسي ان الرئيس يمثل في موروثنا الحضاري رمزا للدولة لا يقل اهمية عن العلم وعن النشيد الوطني ولا ننسي ان الرئيس يمثل صورة الاب والقائد والزعيم في مراحل عديدة من تاريخنا لذلك فان المس من هيبته يمثل هزة عميقة في المخيال العام للمنصب ويفتح المجال للمس من هيبة الدولة في حد ذاتها ومن قدسية الوطن ومن احترام كل المسؤولين على مختلف المستويات . واذا كان النقد والهزل حول رئيس الدولة مقبولين في الدول الغربية الديمقراطية فان التعامل الاعلامي الغربي مع رؤساء الدول يخضع مع ذلك لضوابط محددة يجدر الاستنارة بها واذا جاءت الديمقراطية بحق الشعب في تقرير مصيره فانها لا تعنى المس بمن تم تكليفهم بادارة الشأن العام في حياتهم الخاصة واذا كان الموروث السياسي يكرس قدسية الحاكم فان الوظيفة السياسية تحمل في طبيعتها بعض الطقوس والنواميس حتى في الدول الديمقراطية. واذا تفهمنا ان المرحلة الانتقالية الحالية تؤدي بصفة عادية الى بعض التجاوزات فان حرية لتعبير تتطلب بالضرورة بعض الضوابط التي يتعين على الاعلاميين مناقشتها واقرارها للحفاظ على هذا المكسب الهام
ولكن لا يجب مع ذلك تحميل مسؤولية هذه التحولات والانزلاقات الى الاعلام بمفرده ولا ريب ان هناك عدة عوامل موضوعية ساهمت في هذا التحول في تعامل الاعلام مع رئيس الدولة فالثورة حققت مكسبا رئيسيا يتمثل في القضاء على النظام الدكتاتوري الذي كان يجسده رئيس الدولة. كما كرست الثورة حرية التعبير كمكسب رئيسي لا مجال للتراجع عنه وقد جاء المرسوم 115 المتعلق بحرية الصحافة بالغاء جريمة النيل من كرامة رئيس الدولة التي كانت اداة رئيسية للرقابة الذاتية المسبقة من قبل الصحفيين خشية العقاب . واصبح الرئيس يعامل قانونيا مثل اي شخص اخر عندما يتعرض للثلب او الشتم بدون اي حماية خاصة كما جاء الدستور الصغير الذي وضعه المجلس التاسيسي بتحوير جذري في مكانة رئيس الدولة ضمن المؤسسات السياسية للبلاد وتقلصت صلاحيات الرئيس بموجب هذا الدستور الصغير ليصبح شخصية تمثل البلاد وتسود ولا تحكم على شاكلة النظم ابرلمانية والنظم المجلسية . وفضلا عن ذلك لعب الرئيس المرزوقي هو نفسه في تهشيم الصورة النمطية التي اعتاد الاعلام ان ينقلها عن رئيس الدولة . وغير المرزوقي من صورة رئيس الدولة من خلال لباسه البسيط ومن خلال تلقائيته في فتح القصر الرئاسي لكل الاطياف الاجتماعية وحتى من خلال طريقته في الجلوس وفي التخاطب وفي التعامل مع الصحفيين . ولم يكن الرئيس المرزوقي راضيا بدوره المحدود ضمن الهياكل السياسية مثلما كان شأن الرئيس فؤاد المبزع فكان حريصا على التدخل في الشأن العام اليومي بدون ان تكون له الصلاحيات الفعلية لتجسيد افكاره مما يعرضه للنقد والسخرية احيانا ومما يفقده مصداقيته . ومثل ماضيه الحقوقي الحداثي تناقضا مع تحالفه الحالي مع حزب النهضة في الحكم وهذا ما جعله محل نقد ايضا وهذا ما يفتح مجالا واسعا للسخرية من سلوكياته وتصريحاته وهذا ما يفسر تجرأ بعض الاعلاميين للنيل من شخصه حتى في حياته الخاصة وفي تصرفاته الشخصية التي لا ترتبط بوظيفه على رأس الدولة ,وهكذا يتحمل الاعلام جانبا من المسؤولية في تحريف الصورة النمطيه لرئيس الدولة ولكن تطور الوضع الاعلامي والسياسي بعد الثورة وسلوكيات الرئيس المرزوقي ساهما بدورهما في هذا التحول . ومن الضروري تعميق الحوار الوطني بين الاعلاميين انفسهم وبين السياسيين لاقرار ضوابط معقولة للحفاظ على رمزية هذا المنصب الهام على رأس الدولة.
اشكاليات الاعلام والدين الاسلامي
هل نعيش اليوم من جديد حربا دينية افتراضية
تتزاحم اليوم الاقمار الصناعية لبث الاعداد الغريبة من القنوات التلفزية الدينية التي تتصارح من اجل فرض دياناتها ومذاهبها ومللها ونحلها.كما تزخر الشبكة العنكبوتية بالالاف من مواقع الانترنات والشبكات الاجتماعية المختصة في الشأن الديني.ويعبر هذا التهافت على نشر المادة الدينية على تعطش لدى الشباب الملء الفراغ الفكري والعقائدي الذي اصبح يعيشه وعن رغبة جامحة للتلاحم الاجتماعي في مجتمع تسوده الانفرادية والعزلة ولكن هذا الزخم الاعلامي لا يجب ان يلهينا عن خلفياته الدولية في في تنظيم الحملات التنصيرية وفي بث الفرقة العقائدية داخل الدول , وهو يخفي ايضا خلفيات سياسية للوصول الى السلطة وفي المحافظة عليها استنادا على الشرعية الدينية .كما يخفي خلفيات اقتصادية في كسب الارباح من المادة الدينية كبضاعة تلقى الرواج التجاري الكبير. وحتى لا ينساق شبابنا في متاهات هذه الصراعات الدينية والمذهبية وحتى لا يلتحق مثل البعض الى ديانات اخرى وحتى لا ينجر وراء تنظيمات سرية ارهابية ضمن هذا النظام الافتراضي المحرر من القيود والرقابة يتعين في نظري تدعيم البحث العلمي الرصين حول هذه الظاهرة الاعلامية الخطيرة وتجنيد المجتمع المدني لتربية الناشئة وتحصينهم من الاخطار المحدقة بهم من خلال تفكيك المنظومة الاعلامية الدينية وتحليل خلفياتها وكشف نواياها وحتى لايبقى شبابنا مجرد مستهلك سلبي لهذه المادة عن غير دراية بمقاصدها وحتى لا ينساق بدوره الى المشاركة في حرب لاتعنيه
هل يختلق الاعلام قضايا دينية مفتعلة؟
في الوقت الذي يؤكد فيه كل التونسيين ايمانهم بالاسلام نتابع وسائل الاعلام منذ اندلاع الثوره ونلاحظ المكانة المتميزة التي اصبحت المسألة الدينية مطروحة في مضمونها ويذهب البعض الى ان الاعلام مسؤول بالدرجة الاولى عن المزايدات الدينية والسجالات العقائدية وتراشق الاتهامات بالتكفير والالحاد والحال ان تونس تواجه تحديات اكبر لبناء المؤسسات الديمقراطية والقضاء على مخلفات الفساد ولحل مشاكل التشغيل وغلاء الاسعار وغيرها من المسائل الحيوية, وتتمثل مسؤولية الاعلام في توجيه الاخبار وتضخيمها واكسابها صبغة الاثارة وكذلك في الخلط المتعمد بين نقل الاخبار وتحليلها والتعليق عليها وهناك من يعتبر ان هناك اطرافا تقف وراء هذه المهاترات الدينية لاحتلال مكانها ضمن الساحة السياسية ولمقاومة هذه الاطراف والاعلام هو الي اختلق امارة سجنان وهو الذي عرف بالشيعة في قابس ولولا الضجة التي احيطت بعرض شريط برسيبوليس ما كان للنهضة ان تكسب التعاطف الشعبي في الانتخابات في نظرهم ولولا تركيز الاعلام على مشكلة النقاب في منوبة ما كان للسلفيين ان يطفوا على الساحة بهذا الحجم . ولولا طرح الاعلام لمسألة ختان البنات ما كان لوجدي غنيم ان يثير تلك الزوبعة والمشادات التي عرفناها, وفي مقابل هذا الطرح هناك من يعتبر ان الاعلام مطالب في المجتمعات الديمقراطية بأن ينقل الاحداث التي تهز المجتمع بدون قيود او صنصرة والاعلام لم يختلق اعتصام منوبة او ازالة العلم الوطني من واجهة الكلية ولم يختلق المواجهات العنيفة التي اسفر عنها عرض شريط برسيبوليس ولم يختلق المصادمات التي نتجت عن زيارة غنيم لتونس ولا يمكن له تجاهلها لانها تمثل بالفعل جوهر الصراع القائم حاليا حول النموذج المجتمعي الذي ننشده. واذا كان هناك تهرب من معالجة القضايا الجوهرية للمجتمع فالمسؤولية تعود بالاساس الى الطبقة السياسية التي توظف المسألة الدينية لتعزيز وجودها وللاطاحة بمنافسيها السياسيين
هل سيتحول اعلامنا الى اعلام اسلامي؟
يتداول المجلس التاسيسي حاليا حول مبدأ جعل الاسلام مصدرا اساسيا للتشريع وفي ذات الوقت اصبحت السجالات الدينية تحتل حيزا غيرا مالوف في الكتابات الاعلاميه وقد كانت المساله الدينيه بالفعل عاملا من عوامل ظهور الصحافة في بلداننا اذ ظهرت الطباعة بانتشار الحملات التبشيرية ونمت الصحافة التونسية في اطار استعماري وفي ظل الخلافة العثمانية للحفاظ على الهوية العربية الاسلامية لتونس وعديد المسائل المرتبطه بالدين تم حسمها في اعلامنا منذ بدايات القرن الماضي ومنذ الاستقلال تم تهميش الخطاب الديني في الصحافه واقتصر تحديدا على مقالات يوم الجمعة وعلى بعض المجلات المتخصصة, وها هو الخطاب حول المسألة الدينية يعود بقوة في هذه الفتره في الاعلام,وهذا ما يدعو لاستبشار البعض بهذه الصحوة الدينية بعد الثورة ولتخوف البعض الاخر من ان يتحول الخطاب الديني الى اداة جديدة لقمع حريه الاعلام ولكن الاكيد ان الاعلام الاسلامي يمثل منظومه لاتفرق بين شؤون الدنيا وشؤو ن الدين ولا تفصل بين العبادات والمعاملات البشريه ولا تميز بين التشريع الوضعي والتعاليم السماويه فهل هدا هو الحيار الامثل لتونس الثوره والديمقراظيه وهل ننتظر ان يتحول اعلامنا الى اعلام يمتثل في خظابه الى التعاليم الاسلاميه؟ هده مساله من المسائل الهامه التي يتعين على الاعلاميين
يتداول المجلس التاسيسي حاليا حول مبدأ جعل الاسلام مصدرا اساسيا للتشريع وفي ذات الوقت اصبحت السجالات الدينية تحتل حيزا غيرا مالوف في الكتابات الاعلاميه وقد كانت المساله الدينيه بالفعل عاملا من عوامل ظهور الصحافة في بلداننا اذ ظهرت الطباعة بانتشار الحملات التبشيرية ونمت الصحافة التونسية في اطار استعماري وفي ظل الخلافة العثمانية للحفاظ على الهوية العربية الاسلامية لتونس وعديد المسائل المرتبطه بالدين تم حسمها في اعلامنا منذ بدايات القرن الماضي ومنذ الاستقلال تم تهميش الخطاب الديني في الصحافه واقتصر تحديدا على مقالات يوم الجمعة وعلى بعض المجلات المتخصصة, وها هو الخطاب حول المسألة الدينية يعود بقوة في هذه الفتره في الاعلام,وهذا ما يدعو لاستبشار البعض بهذه الصحوة الدينية بعد الثورة ولتخوف البعض الاخر من ان يتحول الخطاب الديني الى اداة جديدة لقمع حريه الاعلام ولكن الاكيد ان الاعلام الاسلامي يمثل منظومه لاتفرق بين شؤون الدنيا وشؤو ن الدين ولا تفصل بين العبادات والمعاملات البشريه ولا تميز بين التشريع الوضعي والتعاليم السماويه فهل هدا هو الحيار الامثل لتونس الثوره والديمقراظيه وهل ننتظر ان يتحول اعلامنا الى اعلام يمتثل في خظابه الى التعاليم الاسلاميه؟ هده مساله من المسائل الهامه التي يتعين على الاعلاميين
هل يمكن الاعلام التعامل بديمقراطية مع من لا يؤمن بالديمقراطية ؟
هل يمكن الاعلام التعامل بديمقراطية مع من لا يؤمن بالديمقراطية ؟
محمد حمدان
استاذ بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار
مقال منشور في موقع باب نات
تابع نظارة قناة التونسية في برنامج التاسعة مساء حوارا مع شاب سلفي توجه للملايين من التونسيين ليعلن انه وتنظيمه الدعوي يرفض طلب رخصة لتنظيم اجتماع ليقوم فيه بالدعوة الى سبيل الله اي انه يرفض علنا تطبيق القانون باسم الشرع الالهي. كما اشاد هذا الشاب باسامه بن لادن وبالرفاه الذي عرفته اليمن تحت سيطرة تنظيم القاعدة. واعتبر بالخصوص ان الديمقراطيه وهم ولعبة غربية للسيطرة على المسلمين. وكان هذا الشاب في حواره مسيطرا على الكلمة ومقاطعا لغيره من الحاضرين بشئ من العنف اللفظي وكان من الصعب على المنشط التحكم في ادارة الحوار. ويطرح هذا البرنامج عدة قضايا خطيرة منها السياسي والامني والحضاري والديني ولكنه تطرح على الاعلاميين بالخصوص اشكالية خطيرة تتعلق بكيفية التعامل بديمقراطية مع من يعلن صراحة انه لايؤمن بالديمقراطية .
وانطلاقا من التجارب الاجنبية في الدول الديمقراطية نلاحظ ان الاحزاب والحركات السياسية والفكرية المتشددة على غرار النازية الجديدة تجد لها موقعا في وسائل اعلام بلدانها وهي تحظى بحرية التعبير عن افكارها ما دامت القضية محصورة على المستوي الفكري ولا يمكن محاسبتها الا اذا خرقت فعليا قوانين الدولة . كما ان الاعلام لم يختلق هذا التيار ولم يوجه افكاره ومن حق المواطن ان يكون على معرفة بمختلف التيارات الموجودة على الساحة السياسية في البلاد وان يحكم لفائدتها او عليها انطلاقا من مبدا حق المواطن في الاعلام.
وفي مقابل هذا الطرح يمثل التعامل الاعلامي مع من لا يؤمن بالديمقراطية خطرا على الديمقراطية ذاتها لانه سيستغلها لتقويضها عندما يصل الى الحكم. كما ان الوضع في تونس يتسم بخصوصيات يتعين علينا وعلى الاعلام التفكير فيها مليا فالبلاد تمر بمرحلة انتقالية لم يشتد فيها بعد عود الديمقراطية وليست في مأمن من الانتكاس والتراجع في مسارها الديمقراطي. كما ان الوضع الامني يتسم بالاهتزاز خلال هذه الفترة ويمكن بالتالي اعتبار مثل هذا البرنامج خطرا على الديمقراطية لان افكار الشاب المذكور تمثل تقويضا للدولة المدنية التي اتفق الجميع على ارسائها ولان تدخل هذا الشاب يشرع لخرق القانون وهو ما يجرمه قانون الصحافة ذاته ولان في افكاره دعوة ضمنية لقوات الدولة لعدم الامتثال لتعليمات رؤسائهم بتطبيق القانون . وقد يذهب البعض الى حد اتهام الاعلام باستغلال هذه الاطراف لاغراض تجارية لكسب المزيد من المشاهدين ومن الموارد الاشهارية على حساب امن البلاد ولا غرابة في ان تستغل بعض الاطراف مثل هذا البرنامج لاتهام الاعلام بالردة وبخدمة النظام السابق وبالانسياق لاجندة المعادين للديمقراطية
لذلك يتعين فتح حوار عميق حول هذا الموضوع في الفضاء العمومي ويتعين بالخصوص على الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري رغم حداثة انشائها ان تتخذ موقفا واضحا ازاء مثل هذه الممارسات الاعلامية حتى تثبت استقلاليتها ونجاعتها. واعتقد ان المؤسسة التربوية لا يمكن ان تكون غائبة عن هذا الحوار الوطني وهي التي تمثل الاطار الطبيعي للتكوين العلمي للشباب . وازاء تهديدات الاطراف الدينية المتشددة والمهيمنة على بعض المساجد وبعض الفضاءات العمومية لا يمكن للمربي ان يبقى مكتوف الايدي وسلبيا وتدخل التربية على وسائل الاعلام من المهام الموكولة للمربي حتى يقوم بتفكيك الخطاب الاعلامي وبادارة حوار فكري موضوعي حول القضايا التي يطرحها وبتنمية الروح النقدية لدي الشباب
ما هي حظوظ انشاء مجلس للصحافة المكتوبة في تونس؟
ما هي حظوظ انشاء مجلس للصحافة المكتوبة في تونس؟
محمد حمدان
استاذ قانون الاعلام بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار
مقال منشور في موقع باب نات
بعد انشاء الهيئه العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري بموجب المرسوم 116 وتشكيل تركيبتها شرعت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في النظر في تاسيس مجلس للصحافة استجابة لتوصيات هيئة اصلاح الاعلام وعقدت اول جلسة عامة لها للنظر في امكانيات بعث هذه الهيئة في اطار سياسة ترمي الى ضمان استقلالية الصحافة وحماية اخلاقياتها . وتزامنا مع نضالات النقابة لتفعيل المرسوم 116 اتجه المجلس التاسيسي لاختيار صيغ تعديلية اخرى يتم ادراجها في الدستور وتقوم على احداث هيئة عليا مستقلة للاعلام تتولى الوظيفة التعديلية بالنسبة للا علام السمعي البصري وكذلك بالنسبة للصحافة المكتوبة وللصحافة الالكترونية وبذلك يكون توجه النقابة متعارضا مع التوجه الذي اتخذه المجلس التاسيسي. فما هي الحظوظ الفعلية لانشاء مجلس للصحافة المكتوية في تونس وهل يمثل انشاء هذا المجلس الحل الامثل لضمان استقلالية الصحافة وتلافي التجاوزات الاعلامية التي نعاينها حاليا ؟
لاريب ان مجالس الصحافة متواجدة بصيغ متعددة في العديد من الدول الديمقراطية ونجحت في حماية اخلاقيات الصحافة بدرجات متباينه في هذه الدول ولكن لا يمكن الحديث عن معايير دولية موحدة لاقامة مثل هذه المجالس ولا يمكن لتونس الا ان تستنبط نموذجها المتناسب مع تحولها الديمقراطي بالطبع والمتناسب بالخصوص مع واقعها الاعلامي وهذا الواقع مختلف تماما عما هو عليه في الدول الغربية فالصحافة الغربية نشات في ظل المبادرات التجارية الخاصة اما في تونس فاهم المؤسسات الصحافية المكتوبة التي تشغل اكبر نسبة من الصحفيين تعود ملكيتها للدولة مثل مؤسسة دار لابراس ودار الصباح , والمشاكل التي اندلعت في دار الصباح منذ اشهر لا يمكن لمجلس الصحافة ان يحلها لو كان موجودا لان قضية الصحافة المكتوبة كانت ولا تزال بصفة رئيسية قضية استقلالية عن السلطة الحاكمة ولا يمكن لمجلس الصحافة ان يتدخل لتعيين رئيس لمؤسسة صحافة في الغرب لان مثل هذه المؤسسات تعود ملكيتها كما سبق ذكره للقطاع الخاص.
ولا يمكن كذلك ضمان احترام اخلاقيات المهنة الصحفية بدون تشريك فعلي لاصحاب المؤسسات الصحفية اي بمبادرة منفردة للصحفيين ولمن يمثلهم. فنقابة الصحافيين لها ميثاق اخلاقيات بقي وسيبقى مجرد مرجع فكري اكثر من كونه وثيقة ملزمة. وخرق اخلاقيات الصحافة يتاتى من اصحاب المؤسسات الاعلامية اكثر مما يصدر عن الصحفيين انفسهم نتيجة للمصالح التي يدافع عنها اصحاب المؤسسات واعتبارا لكون الصحفيين اجراء لدى هؤلاء الاعراف . ولا تبدو النقابات الممثلة للاعراف الاعلاميين مشاركة لحد الان في هذا الحوار الخاص ببعث مجلس صحافة ولم تبد رغبتها بصفة واضحة في بعث مثل هذا المجلس لذلك يبدو حاليا ان بعث مجلس للصحافة المكتوبة يمثل مطلبا للصحفيين اكثر مما هو مطلب للاعراف ولن يكون فاعلا وناجعا ما لم يكن هذا المجلس مطلبا مشتركا للصحفيين والاعراف على السواء , كما ان المجلس لن تكون قراراته التعديلية الزامية ما لم يمنحه المشرع والدولة هذه الصلاحيات الالزامية في المراقبة وعقاب المخالفين اذا لزم الامر والواضح ان المعركة التي خاضها الصحفيون لتفعيل المرسوم 116 ايسر بكثير من معركتهم لارساء هيئتهم التعديلية الذاتية والسيناريو الاكثر واقعية واحتمالا للانجاز سيكون بالضرورة مشروع المجلس التاسيسي الذي لن لن يكتفي بتعديل الاعلام السمعي البصري بل سيضمن تعديلا لمختلف وسائل الاعلام .
النضال من اجل حرية الصحافة ام من اجل حق المواطن في الاعلام؟
النضال من اجل حرية الصحافة ام من اجل حق المواطن في الاعلام؟
محمد حمدان
استاذ قانون الاعلام بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار
كانت الصحافة قبل 14 جانفي 2011 أداة في خدمة السلطة السياسية جندتها رسميا لخدمة الوحدة الوطنية ولخدمة التنمية ولكنها وظفتها فعليا في خدمة النظام الحاكم وللدفاع عن مصالحه وكانت الصحفي انطلاقا من هذا المنظور يقوم بوظيفة اعطاء الشرعية لهذه السلطة السياسية وهو بالتالي يخضع لمراقبة مسبقة متشددة للالتزام بهذه الوظيفة, وتحولت النظرة للصحافة بعد الثورة لتصبح سلطة رابعة تقوم على منظومة ديمقراطية اساسها تفريق السلط وتلعب فيها الصحافة دور الرقيب على بقية السلط السياسية ودر المنبه لتجاوزتهاها ودور المعبر عن الراي العام والمدافع عن حقوق المواطن , وبالرغم من دفاع القوى الحاكمة بعد الثورة عن مبدأ حرية الصحافة عندما كانت مضطهدة من قبل بن علي فان وصولها للحكم جعلها تراجع نظرتها لحرية الصحافة والصحافيين وهي تسعى لتطويق هذه الحرية حتى لا تهدد مصالحها السياسية في البقاء في الحكم ومن الطبيعي ان تحدث المواجهة بين الاعلاميين والسياسيين لتكريس حرية الاعلام بصفة لا رجعة فيها وما النضالات االتي تقودها نقابه الصحافيين اليوم الا تعبير عن رفض الاعلاميين للنظام الاعلامي السابق وتمسكهم بالتصور الجديد لوظيفتهم في ظل المنظومة الديمقراطية الجديدة وما المساعي الحالية لتهديد الصحفيين وترهيبهم ومقاضاتهم الا تعبير عن مرحلة انتقالية تنبئ بانخرام التوازن القائم في الماضي بين السياسيين والاعلاميين وتبشر بنظام يقوم على توازن جديد وتوزيع جديد للادوار بينهما ومهما كانت السلطة التي ستحكم البلاد في المستقبل فان الصحافة لن تكون بالنسبة اليها الا سلطة مضادة ونستطيع ان نقول اليوم ان حرية الصحافة اصبحت مكسبا يخضع بالضرورة للتهديدات ويتطلب يقظة متواصلة للمحافظة عليه وتطويره ولكنه اصبح بالتاكيد مكسبا لا رجعة فيه.
واذا ما تخلص الاعلام من التبعية ازاء السلطة السياسية فانه لم يحقق بالضرورة استقلاليته الفعلية واذا ما نجح الاعلاميون في التخلص من كابوس بن علي ونظامه فان الصحافة اصبحت اليوم مهددة اليوم بالتبعية لراس المال فالاعلام هو بالاساس صناعة اصبحت تتطلب تكنولوجيات متطورة وتمويلات ضخمة والايمان بمجموعة من القيم والافكار لا يكفي لاصدار جريدة او انشاء محطة تلفزية او استخلاص حقوق البث الضخمة عبر الاقمار الصناعية وحتى الذين تشجعوا من الاعلاميين لاصدار صحفهم كان نصيبهم في الغالب الفشل ولن يستفيد بالتالي من هذه الحرية الا من توفرت لهم الامكانيات الضخمة لضمان الاستمرارية لوسائل اعلامهم سواء كانوا رجال اعمال او احزابا سياسية ولن يستفيد من الحرية في النهاية الا القوي وتصبح الحرية لا معنى لها اذا كانت مقترنة بالخصاصة وضيق ذات اليد
لذلك فان رفع شعار حرية الصحافة لم يعد كافيا وفعالا لتامين الوظيفة الجديدة للاعلام في مجتمع ديمقراطي بل ان المطلب الرئيسي الواجب رفعه اليوم يتمثل في الدفاع عن حق المواطن في الاعلام ,وتامين هذا الحق لا يمكن ان يتم بدون النظر الى الاعلام كمنتوج اقتصادي وبدون تدخل الدولة لمساعدة مختلف الحساسيات الفكرية والتيارات السياسية والاجيال الجديدة من الاعلامين لمساعدتهم على بعث وسائل اعلاميه تكون قادرة ماديا على البقاء والاستمرارية ,واذا ما توفق المرسوم 115 الخاص بحرية الصحافة في تخليص الاعلام من التبعية السياسية فلم يتضمن هذا النص اي اجراءات عملية لتحفيز المبادرات الاعلامية الجديدة ولم يصدر حتى الان اي نص قانوني لتنظيم توزيع موارد الاشهار العمومي كما لم يصدر اي نص قانوني يتضمن اية حوافز لاعلام ما بعد الثورة ولم تتخذ اي اجراءات للتقليص من كلفة البث من قبل ديوان الارسال الاذاعي والتلفزي لفائدة الباعثين الجدد من الاذاعيين وبقيت اغلب وسائل الاعلام بالتالي تحت سيطرة القوى التي كانت تتحكم في الاعلام في الماضي ولا يمكن للمواطن الوصول الى المعلومة الا عبر هذه الوسائل الاعلامية لذلك فان المرحلة المقبلة للنضالات الاعلامية يجب تتركز على الدفاع عن حق المواطن في الاعلام وعما يتطلبه هذا الحق من تدخل الدولة للمساعدة على بناء منظومة اعلامية جديدة منسجمة مع اهداف الثورة.
الاعلام والقضايا الجنسية : أية خلفيات وأية ابعاد
الاعلام والقضايا الجنسية : أية خلفيات وأية ابعاد
محمد حمدان
استاذ بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار
تضاعف في الاونة الاخيرة اهتمام وسائل الاعلام بالقضايا الجنسية . فمنذ اندلاع الثورة اصبح الجنس محل اهتمام الاعلام اذ طرحت منذ بداية الثورة قضية تحرير بث الافلام الجنسية عبر الانترنات ثم اندلعت بعد ذلك عدة قضايا لها علاقة بالجنس منها بالخصوص قضية ما يعرف بالشراتون غايت وقضية اغتصاب بعض رجال امن لاحدى الفتيات الى جانب ما تطرحه بعض البرامج التلفزية الاجتماعية من قضايا لها علاقة بالجنس . ولكن المدة الاخيرة تميزت بتفاقم الاهتمام بالقضايا الجنسية وبقضايا الاغتصاب بالتحديد فطفت على السطح الاعلامي قضية اغتصاب امرأة حامل في العاصمة وقضايا مماثلة داخل البلاد وطرحت قضية اغتصاب طفلة في احدى رياض الاطفال وتم اخيرا تناول قضية اغتصاب أب لابنته مند صغرها هذا الى جانب قضية تعرية فتاة تنتمي لمنظمة فيمن الدولية لصدرها ولتكتسي هذه القضية بعدا دوليا والى جانب الاطناب في تحليل ظاهرة الاقبال على الفياغرا, وقد اثارت مختلف هذه القضايا الرأي العام واصبحت محل جدل بين الاوساط الاعلامية ولدي مختلف الاطراف الاجتماعية الاخري , واذا ما كانت مثل هذه القضايا متواجدة في المجتمع منذ القدم فان اثارتها في هذه الفترة بالذات تكتسي عدة ابعاد يجدر تحليلها وفهم خلفياتها
الابعاد الاعلامية
وتكتسي هذه الظاهرة بعدا اعلاميا قبل كل شئ فاثارة مثل هذه القضايا تدخل في اطار حرية التعبير التي افرزتها الثورة والتي اخرجت الجنس من باب المحظورات الاعلامية وقد تعرض مدير جريدة التونسية منذ اشهر للايقاف بتهمة المس من الاخلاق الحميدة لنشره لصورة فيها جانب من الاباحية , لكن خروج المجتمع المدني لمساندته بهذه المناسبة وضع حدا للتتبعات القضائية وفتح المجال لحرية اكبر في التعرض للشان الجنسي . كما ان غياب سلطة تعديلية تضع ضوابط محددة للمعالجة الاعلامية للمسائل الجنسية ساهم هو ايضا في ما قد يعتبره البعض مسا من قيم المجتمع ومن معتقداته واخلاقه . ويذهب البعض الى اعتبار التناول الاعلامي لمثل هذه المسائل تشريعا وتضخيما للفساد الاخلاقي كما يتهم البعض الاخر وسائل الاعلام باستغلال الجنس كعنصر للاثارة الاعلامية لكسب نسب اكبر للمشاهدة والاستماع والمطالعة ولكسب المزيد من المداخيل الاشهارية, وفي غياب ضوابط قانونية واخلاقيات مهنية واضحة يمكن للاعلام ان يزيغ عن وظائفه الاعلامية لينال من حرمة الحياة الخاصة وليؤدي الى استغلال طفلة بريئة تعرضت للاغتصاب ليتم اغتصابها من جديد من قبل الاعلام بعرضها كفرجة وكسلعة اعلامية قبلة للتسويق
الابعاد السياسية
والى جانب هذه الابعاد الاعلامية الخطيرة فان اثارة مل هذه القضايا الجنسية عبر وسائل الاعلام تكتسي ابعادا سياسية اخطر اذ ان اثارة مثل هذه القضايا تصبح اداة للصراع السياسي وقد لاحظنا ما اثارته قضية اغتصاب بعض رجال الامن لاحدى الفتيات من نقد لاذع للسلطة .كما تابعنا الحملة الاعلامية التي اثارتها تصريحات بعض الاسلاميين بخصوص ختان البنات, واثارت قضية اغتصاب الطفلة في روضة الاطفال جدلا حول تطبيق حكم الاعدام على الجاني في هذه الحالة . كما يعتبر البعض ان تعرية عديد الفتيات لصدورهن يدخل في باب رد الفعل والمواجهة السياسية والحضارية للاسلاميين , وقد تم التوظيف السياسي لهذه القضايا من قبل الصحافة الغربية والتركيز عليها لابراز المظاهر السلبية لحكم الاسلاميين بل ان بعض الصحف الفرنسية القريبة من اسرائيل ذهبت الى توظيف مثل هذه القضايا للمس من الاسلام ولاعتباره دين اضطهاد وعبودية بالنسبة للمراة
وفي الطرف المقابل هناك من يعتبر ان مثل هذه القضايا اندلعت بالخصوص منذ التحوير الوزاري الاخير بتوجيه مباشر او غير مباشر من قبل الترويكا الحاكمة لتلهية الراي العام عن القضايا الاساسية المطروحة على المجتمع وللتخفيف من حدة الانتقادات التي كانت توجه للسلطة الحاكمة .
والى جانب هذه الابعاد الاعلامية والسياسية فان الطرح الاعلامي لقضايا الجنس تدعو علماء الاجتماع وعلماء التربية الى مزيد الاهتمام بهذه القضايا للنظر في خلفياتها واسبابها وكيفية معالجتها ولتوجيه الاعلاميين حتى لا تتحول مثل هذه القضايا الى مجرد وسيلة للاثارة ولجلب الاشهار وليصبح الاعلام في خدمة التربية الجنسية للمجتمع
الاعلام والحياة الخاصة للسباسيين
الاعلام والحياة الخاصة للسباسيين
محمد حمدان
استاذ بمعهد الصحافة
فجرت الفة الرياحي قنبلة اعلامية اصبحت تعرف بقضية الشيراتون قايت وتبعتها قضية المليار قايت و استأثرت المعلومات التي نشرتها هذه الاعلامية في مدونتها بطليعة الجدل في الفضاء االعمومي التونسي . وبعيدا عن المهاترات الفايسبوكية والتوظيفات التسويقية لوسائل الاعلام لهذا الحدث لكسب المزيد من الجمهور ولردود الفعل السياسية المتشنجه التي اثارها الموضوع لدى وزير الخارجيه وحزب النهضه الذي ينتمي اليه فان القضية تطرح بكل جدية طبيعة العلاقة بين الاعلام والحياة الخاصة للافراد بصفة عامه وللشخصيات العمومية بصفة خاصة. وتكتسي القضية ابعادا قانونية واخلاقية وسياسية واعلامية مهنية
الابعاد القانونية
من الناحية القانونية اوردت الفة الرياحي معلومات تتعلق بالتصرف المالي في وزارة الشؤون الخارجية وقد كانت المعلومات المتعلقة بالدولة وبالادارة تحظى غالبا بالسرية وبالحصانة في ظل منظومة سياسية كليانية .اما ونحن نعيش مرحلة تحول ديمقراطي فان المرسوم الشهير 41 أقر مبدأ حرية النفاذ للمعلومة الادارية لضمان الشفافية الادارية والتصدي لكل انحرافات السلطة ولذلك لا يمكن في نظري مواجهة الاعلامية المذكورة بناءا على سرية الوثائق الادارية .
أما بالنسبة للمعلومات الواردة بخصوص الحياة الخاصة لوزير الخارجية فانها بالتأكيد تخضع لطائلة القانون ولا يمكن للاعلامي قانونيا اثبات صحة المعلومات المنشورة للتنصل من جريمة الثلب فما قامت به الفة الرياحي جريمة في نظر القانون سواء تعلق الامر بفرد او بشخصية عمومية ولكن وخلافا لما صرح به القاضي مختار اليحياوي والمحامي فتحي العيوني فان المرسوم 115 المتعلق بحرية الصحافة ألغى عقوبة السجن في جريمة الثلب واكتفى بالخطية حماية للصحفي من الضغوط المختلفة واقرارا بان الصحفي يمكن ان يخطئ وهو يمارس وظيفته في البحث عن الخبر
الابعاد السياسية
وبقطع النظر عن اهمية الجدل القانوني فان القضية تكتسي ابعادا سياسية أخطر. وهناك ضمنيا تخوف من ان ننساق في هذا الظرف الانتقالي الصعب الى توظيف الحياة الخاصة لتصبح سلاحا يرفع ضد الخصوم السياسيين وعوض ان يرتقي الحوار السياسي ليهتم بأمهات الامور فان الصحفي يمكن أن يوظف عن دراية او بحسن نية من قبل الاطراف السياسية لينشر الغسيل الوسخ لاطراف سياسية اخرى ويصبح العمل السياسي والاعلامي متسما بالقذارة
وقد تعرضت الفة الرياحي لاتهامات من هذا القبيل فهناك من ابرز انتماءها لحزب المِؤتمر وأدرج القضية في صلب التجاذبات السياسية بين هذا الحزب وحليفه في الترويكا حزب النهضة . وهناك من ذهب الى اكثر من ذلك ليربط الاعلامية بشبكات دولية صهيونية او ماسونية او بقوي خارجية مخابراتية امريكية او فرنسية تبعا لمواقف هذه الدول من حزب النهضة الحاكم.
ولكن التوظيف السياسي للحياة الخاصة اصبح من ادوات التسويق السياسي للشخصيات العامه وظهرت العديد من البرامج الاذاعية والتلفزية التي يقبل عليها السياسيون ويقبلون ضمنها بنشر معلومات عن حياتهم الخاصة لمزيد التقرب للجمهور وقد رأينا وزير الخارجية نفسه في برنامج الصراحة راحة وفي غيره من البرامج يقبل بتقديم معلومات عن حياته الخاصة لذلك يصعب في هذا الحالة للسياسي ان يطالب بحماية حياته الخاصة اذا كانت هناك جوانب من حياته الخاصة لا تخدمه سياسيا , وقد رأينا في الغرب سياسيين يصلون الى حد الانتحار عند نشر معلومات تتعلق بحياتهم الخاصة لذلك فان الاعلام حول الحياة الخاصة للسياسيين يكتسي خطورة اكبر
الابعاد الصحفية المهنية
وبالنسبة للصحفيين فان القضية تطرح من الزاوية المهنية البحته المتعلقة بهذا الصنف الجديد من الاعلاميين المدونين وبهذا الشكل الجديد من الكتابة الصحفية الاستقصائية فهناك من يعتبر الفة الرياحي مجرد مدونة لاتنتمي للاسرة الصحفية ولا يمكن لكتاباتها ان تراعي ضوابط واخلاقيات العمل الاعلامي المهني وهناك من يعرج الى تكوينها الاصلي في العلوم التجارية والى نشاطها في المجال الاشهار وفي مجال الترجمه ليحط من القيمة المهنية لكتاباتها ,لذلك فان المهنه تتعرض اليوم الى مراجعة لهويتها لتحديد من يمكن له ان يحمل صفة الصحفي خصوصا وان عديد المدونين دخلوا بقوة المجال الاعلامي وابرزوا نضاليتهم في الدفاع عن حرية التعبير ومقدرتهم على تفجير قضايا اعلامية هامه وخطيرة
وتبرز القضية شكلا جديدا للكتابة الصحفية لم يكن رائجا في الصحافة التونسية وهو الصحافة الاستقصائية وقد تابعنا الفة الرياحي وهي تتحدث عن الوقت الطويل الذي أمضته في جمع معلومات القضية وعن الشبكة الواسعة من العلاقات التي اعتمدت عليها لاستقاء المعلومات وعن التحريات القانونية التي قامت بها قبل النشر كما لاحظنا المجهود الكبير الذي يتطلبه مثل هذا العمل مما لا يجعله في متناول كل اعلامي وكل مؤسسة اعلامية ولعل تفكير معهد الصحافة في بعث ماجستير خاص بالصحافة الاستقصائية سيساعد على التكوين المختص في هذا المجال
ويطرح الاعلام حول الحياة الخاصة صعوبة في التمييز بين العمل الاعلامي الجاد وما اصبح ينعت اليوم بصحافة المجاري فالنبش الاعلامي في الحياة الخاصة اصبح اليوم اداة ميديامترية هامه لاستقطاب الجمهور التلفزي ولترويج الصحف كما ان هذا الصنف الاعلامي يمكن استغلاله لابراز اسماء صحفية كانت مغمورة وهو يمثل اداة لكسب المزيد من الموارد الاشهارية وهذا ما يطرح على المهنة الاعلامية قضايا اخلاقية خطيرة تستوجب التفكير المتعمق والمواقف الموحدة
قراءة في المرسوم 115
القانون الجديد للصحافة رفع القيود عن الصحافة ولكنه لم يساهم في نمو صحافة جديدة
محمد حمدان
أستاذ تعليم عالي
صدرقبل اسابيع قليلة من انتخاب المجلس التاسيسي المرسوم عدد 115 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر وهو المرسوم الذي يلغي ويعوض مجلة الصحافة التي لازمتنا وقننت قطاع الصحافة منذ 28 اقريل1975 ,ويعتبر النص الجديد حدثا هاما في تاريخ الصحافة التونسية جاء في مرحلة انتقالية ثورية بعد صدور مرسوم هام يتعلق بحرية النفا ذ الى الوثائق الدارية للهياكل العمومية بتاريخ 26 ماي 2011 كما جاء متزامنا مع المرسوم عدد 116 المؤرخ في هو أيضا في 2 نوفمبر 2011 والمتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري وباحداث هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعي والبصري.
ولتقييم النص القانوني الجديد لحرية الصحافة في قراءة اولية لابد من العودة الى مجلة الصحافة القديمة للتعرف على الانتقادات الموجهة ضدها وحتى نتمكن من ابراز ايجابيات النص الجديد ومن طرح بعض الاشكاليات التي يثيرها خصوصا وان الحكومة الانتقالية الحالية تتزعمها حركة سياسية لم تساهم في وضع المرسوم
مآخذ مجلة الصحافة الحالية
قبل تقييم المرسوم المقترح لا بد من التذكير بالآليات لاتي كانت معتمدة لتقييد حرية الصحافة منذ سنة 1975, وأولى هذه الآليات تمثلت في الحفاظ على التناقض بين المظهر التحرري للمجلة والممارسات الفعلية المقيدة لحرية الصحافة
ويبرز هذا التناقض بالخصوص من خلال الاعلام ووصل الاعلام المعمول بهما عند اصدار الصحف وهذا الاجراء يبدو تحرريا في ظاهره ولكنه تحول باجراء الوصل الى اجراء وقائي يسمح للسلط العمومية بمنح الوصل لمن تراه منسجما مع خياراتها السياسية
كما يبرز التناقض من التحرر في القانون والتشدد في منشور أصدره الوزير الاول وأجبر فيه كل الهياكل العمومية بنشر اعلاناتها عبر الوكالة التونسية للاتصال الخارجي مما جعل هذه الوكالة تتحكم في حرية الصحافة من خلال تحكمها في الاشهار العمومي وتوزيعه حسب درجة ولاء الصحف للسلطة
أما المظهر الثالث لتقييد حرية الصحافة فيتمثل في السلطات الهامة الموكولة للسلطة الادارية ولوزارة الداخلية بالتحديد في حجز الصحف وفي منع ترويج الصحف الأجنبية بدون حاجة الى تبرير قراراتها
كما يتمثل في الحماية المفرطة للسلط العمومية من النقد الصحفي خصوصا في القسم الجزائي بحيث تحمي المجلة رئيس الدولة بصفة خاصة الى جانب الهيئات الدبلوماسية والحكومية الأجنبية فضلا عن أعضاء الحكومة ومختلف الهيئات العمومية الادارية منها والعسكرية والبرلمانية والقضائية وغيرها
ويتجسم الطابع الزجري للمجلة من خلال العقوبات البدنية والمالية المتعددة التي تفرضها مما جعل أصحاب الصحف يفرضون رقابة ذاتية على الصحفيين ومما قلص من عدد القضايا المعروضة على العدالة
مميزات وايجابيات المرسوم الجديد
وجاء المرسوم الجديد بعديد الآليات لضمان أكبر هامش من الحرية الصحفية وتتمثل ميزته الاولى في تحويل صلاحيات وصل الاعلام المتعلق باصار الصحف من وزارة الداخالية الى القضاء والى المحاكم الابتدائية التي اصبحت تتولى الاشراف على اجراء الاعلام وفي صورة عدم تسليم المحكمة الابتدائية للوصل ينص المشرع على الاكتفاء برسالة مضمونة الوصول لاتمام اجراء الاعلام
كما يتميز المرسوم الجديد بالتقليص الكبير من جرائم الصحافة التي كانت تعرقل العمل الصحفي فتم حذف جريمة النيل من كرامة رئيس الدولة وجريمة النيل من كرامة رؤساء الدول والحكومات والبعثات الدبلوماسية الاجنبية وجرائم اخرى تتعلق بالمس ببالهيئات العمومية وبالتوازي مع هذا تم تقليص العقوبات البدنية في مجال الصحافة وتعويضها غالبا بعقوبات مالية
و يتميزالمرسوم كذلك بتقليص صلاحيات السلط الادارية وخصوصا منها وزارة الداخلية التي لم يعد لها حق حجز الصحف وتميزكذلك بتقليص الحماية والامتيازات التي كانت تحظى بها الهيئات العمومية التونسية والأجنبية سواء تعلق الأمر بحق الاستدراك الذي تم حذفه من المرسوم او تعلق بحماية السلط العسكرية او المدنية
ويتسم المرسوم الجديد بضمان حقوق أوفر للصحفيين في الشغل من خلال الترفيع في عدد الصحفيين الواجب انتدابهم في الصحف اليومية والأسبوعية او من خلال ضمان حقوقهم في الحفاظ على السر المهني أو في الوصول الى مصادر الخبر او من خلال تحييد الادارة في عملية اسناد بطاقة الصحفي المحترف وتكليف قاض من المحكمة الادارية لرئاسة لجنة اسناد البطاقة عوضا عن المدير العام للاعلام,
ولكن مختلف هذه النقاط الايجابية لا تمنع من لفت الانتباه الى جملة من الهنات والنقائص يتعين تلافيها لضمان حرية فعلية للاعلام بعيدا عن القيود التي يمكن أن تسلطها أية سلطة سياسية قادمة مهما كان اتجاهها وتتعلق هذه النقائص بطبيعة النص القانونية وبنظام المؤسسات الصحفية وبنظام المهنة الصحفية وبالجنح المرتكبة بواسطة الصحافة
الطبيعة القانونية للنص
يطرح المرسوم الجديد للوهلة الاولى ملاحظات اولية حول طبيعته القانونية فهو نص تم اقراره في مرحلة ثورية انتقالية في اطار تنظيم مؤقت للسلط العمومية وساهمت في وضعه الهيئة الوطنية المستقلة لاصلاح الاعلام والاتصال التي تولى تعيين رئيسها الوزير الاول محمد الغنوشي في بداية الثورة والتي تم تنظيمها بموجب المؤرخ في 2 مارس 2011 كما ساهمت في صياغة النص لجنة مختصة في صلب الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة بالتشاور مع الاطراف المهنية المعنية وهذه الهيئة معينة هي ايضا ولا تكتسب شرعية السلط التشريعية العادية المنتخبة من قبل الشعب وقد ناقشت الهيئة العليا المشروع في ظروف خاصة متأزمة وأحالته على الحكومة المؤقتة الدراسة ثم تمت احالته لرئيس الدولة المؤقت لاقراره كمرسوم يستوجب بالضرورة احالته لاحقا على السلط التشريعيةالشرعية المنتظرة بعد وضع الدستور من قبل المجلس التأسيسي وبذلك يكتمل النص صبغته التشريعية ولا غرابة في أن يطرح المرسوم للنقاش من جديد وأن تنقح بعض فصوله
وعلى مستوى بناء نص المرسوم فانه لم لم يخرخ في هيكله عن البناء التقليدي للنص السابق المستوحى هو ايضا من مجلة الصحافة الفرنسية من حيث تبويبه ومضامينه وعموما فان القانون الفرنسي اقتصر على تنظيم مؤسسات الصحافة المكتوبة في حين ان المرسوم الجديد اهتم في أحد أقسامه بالصحافة المكتوبة مهملا للوسائل الاعلامية الاخرى واهتم المرسوم في الأقسام الأخرى بالمهنة الصحفية وبجرائم الصحافة وهي أحكام تهم كل وسائل الاعلام وكان بالامكان تحويل مجلة الصحافة الى مجلة شاملة للاتصال تضبط المبادئ الكبرى لتنظيم مختلف وسائل الاعلام بما فيها السمعي والبصري والالكتروني وكان بالامكان تخليص النص من بعض الاحكام التي لم تعد هناك ضرورة لادراجها في نص المجلة الجديدة مثل الاحكام المتعلقة بالاشهارالتي تحتاج الى نص قانوني مستقل ومتكامل والاحكام الخاصة بالتعليق في الطريق العام التي تجد مكانها بالخصوص ضمن التراتيب البلدية ولا حاجة لاثقال النص بمثل هذه الاحكام
تقييم النظام الجديد للمؤسسات الصحفية
بالنسبة لنظام المؤسسات الصحفية نلاحظ ان المرسوم الجديد راجع شروط ملكية وادارة الصحف تولى الاسناد القانوني لادارة الصحف الى أحد الأعضاء المساهمين في تمويل بدون ان يكون بالضرورة الممول الرئيسي للصحيفة مثلما كان الشأن في مجلة الصحافة السابقة وهذا ما قد يفتح المجال الى تهرب الممول الرئيسي من المسؤولية ويشجع على اعارة الاسم الى مديرين صوريين لا يتحكمون فعليا في توجه الصحيفة
وتضمن المشروع كذلك أحكاما تتعلق بالحد من تجميع الصحف وبالشفافية المالية في تسييرها مثلما جاء به تنقيح سنة 1988 ولكن هذا التنقيح بقي حبرا على ورق اذ لم تلتزم الصحف بنشر كمية سحبها ولا بموازينها المالية واكتفى المشروع بتكليف مجلس المنافسة بهذه المسألة الى جانب مهامه العديدة الاخرى وكان من الأنسب احداث هيئة مختصة لمراقبة السحب مثلما هو الشأن في فرنسا
ويبقى صمت المشروع مريبا بخصوص وضعية الصحافة الاجنبية اذ أصبحت متساوية مع الصحف الوطنية بل ان المرسوم سمح للأجانب بتدخل أقوى في المجال الصحفي من خلال الامكانية المتاحة لهم في دعم الصحف وتوجيهها بواسطة الاشهار أو تنظيم الندوات أو تكوين الصحفيين وفي الوقت الذي تم فيه تحجير التمويل الاجنبي للاحزاب السياسية وللحملات الانتخابية فان هذا الفصل يتناقض مع التوجهات العامة للمشرع,
واذا ما نجح المشرع في تخليص الصحافة من قيود السلطة السياسية خصوصا في قسمه الجزائي فان المرسوم لم يتحكم بالقدر الكافي من تخليصها من التبعية لراس المال ولا أدل على ذلك من هذا العدد الكبير من الصحف التي اصبحت تظهر أو تختفي دون ان نعرف بالتحديد من يقف وراءها ومن يوجه مضمونها
تقييم نظام المهنة الصحفية
بالنسبة للمهنة الصحفية لاحظنا من خلال اصلاحات مجلة الصحافة سابقا أنها بقيت دون جدوى كبيرة وان الحد الأدنى المفروض لتشغيل الصحفيين لم يقع العمل به فعليا ولاريب ان الحد الادنى المطلوب من الصحفيين المحترفين في كل مؤسسة اعلامية (20صحفيا بالنسبة للصحف اليومية وستة صحفيين بالسبة للصحف الاسبوعية) يبقى هدفا صعب المنال بالمقارنة مع الوضع الحالي وبالخصوص وان ها العدد يمثل نصف الصحفيين والمتعاملين مع المؤسسة وحتى نضمن التطبيق الفعلي لهذه الاحكام يبدو من الأجدى الرجوع الى ما ورد في مجلة الشغل من ربط بين نسبة تشغيل الصحفيين من ناحية وموارد الاشهار العمومي التي توفرها الدولة للصحف واقتناء الادارات للاشتراكات من هذه الصحف من ناحية ثانية
واذا كان المشروع مجددا في الزام الصحف باحداث خطة مدير تحرير لاكساب الصحف مزيدا من المهنية فاننا نلاحظ اختفاء هذا المدير على مستوى المسؤولية الجنائية مما يجعل الصحفي يشترك مع مدير النشرية في تحمل مسؤولية الكتابة الصحفية دون ان يكون مدير التحرير معنيا وهذ ا ما يقلص دوره
ولم يتعرض المشروع من ناحية أخرى الى مآل الأحكام الخاصة بالصحفيين والواردة بمجلة الشغل ولم يتعرض الى ما جاء في هذه المجلة من أحكام تتعلق ببند الضمير وهي تسمح للصحفي بالاستقالة من عمله مع المحافظة على حقه في التعويض اذا ما حدث تغيير جذري في اتجاه الجريدة وهذا ما قد يصبح واردا في المستقبل
تقييم أحكام الجنح الصحفية
لا ريب ان القسم المخصص للجنح المرتكبة بواسطة الصحافة سيكون الاكثر اثارة للجدل في صلب الهيئة التشريعية المقبلة التي ستتولى تحويل المرسوم الى قانون خصوصا وان السلط السياسية المنتخبة تقلصت مكانتها بصفة جذرية وبالرغم من الايجابيات التي سبق ذكرها بخصوص هذا القسم فانه سيلاقي بالتأكيد معارضة قوية من قبل التيارات الاسلامية اذ أن الفصل 51 من مشروع المرسوم نص على العقاب بالسجن لكل تحريض (على التمييز واستعمال الوسائل العدائية او العنف او نشر أفكار قائمة على الميز العنصري أو التطرف الديني أو على النعرات الجهوية أو القبلية) . وهذا الفصل قد يوحي بما أقره الرئيس السابق من تنقيحات لمجلة الصحافة بهدف قمع الحركة الاسلامية وقد يكون ها ما أدى الى الغاء الفصل في الصيغة النهائية للمرسوم
وفي نفس السياق يعاقب بخطية بموجب الفصل 53 (كل من يستعمل بيوت العبادة...للقيام بالدعاية الحزبية أو السياسية ). ولا ريب أن صياغة هذه الأحكام تتطلب مراجعة لتكون أثر دقة ولكي لا تعتبر موجهة ضد طرف سياسي محدد ومن الأفضل ادراج الأحكام الخاصة ببيوت العبادة في نص قانوني آخر نظرا لعدم ارتباطه المباشر بالصحافة.
ويبدو أن أهم جريمة كانت مصدرا للجدل وللتحوير التدريجي في مجلة الصحافة سابقا تتمثل في الثلب وقد أقر المرسوم هذه الجرية دون أن يسند اي حماية خاصة للسلط العمومية ومع الاكتفاء بالعقوبة المالية بشأنها مما يفسح المجال واسعا للحرية ويقلص من الرقابة الذاتية التي كانت مفروضة على الصحفي ولكن هذا النص تجوز في تقديري الخاص الحدود المعقولة لحماية الصحفي لينال من حقوق المواطن فهذا النص يعاقب كل من ينسب الى الاشخاص شيئا غير صحيح ينال من شرفهم واعتبارهم وهو أمر طبيعي ولكن النص يشترط (أن يترتب عن ذلك ضرر شخصي ومباشر للشخص المستهدف) أي النيل من الشرف غير كاف لتجريم الفعل ويتعين على الشخص الستهدف اثبات الضرر اللاحق له
وعلى المستوى الاجرائي فان المشروع أهل بعض الجمعيات من اقامة الدعوى بخصوص بعض جرائم الصحافة وهذا مزيدا من الحماية للمتضررين ولكنه قد يفتح المجال في المقابل للتجاوزات والخلافات ويوسع من دائرة المتقاضين
وبالرغم من هذه الملاحظات فان هذا القسم المتعلق بالجنح يمثل أهم مكسب في المرسوم اذ أنه يساهم بقسط كبير في الحد من العقوبات وفي فتح مجالات أرحب لحرية الصحافة .ولكن تغييب بعض الجنح من من المرسوم قد تدفع التقاضين الى الى اللجوء في شكاويهم الى أحكام الحق العام وهي أحكام قد تكون أشد وطأة من أحكام مجلة الصحافة مثلما هو الشأن بالنسبة لاحكام المجلة العسكرية وبعض الاحكام الاخرى الواردة في المجلة الجنائية.
ألخاتمة
ان بناء هذا النص يبدو رغم ايجابياته غير مكتمل والحرية التي يوفرها قد تبدو هشة ما لم يتعزز بآليات مالية ومادية لدعم الدولة للصحافة والصحفيين ولضمان تعددية فكرية فعلية ولضمان حق المواطن في الاعلام كما أن حرية الصحفي تعتبر مكسبا ولكنها غير كافية لضمان استقلاليته اذا بقيت وضعيته المادية هشة وغير مستقرة ومن المهم اثراء نص المرسوم بأحكام تجسم مساعدة الدولة للاعلام وبذلك يتحول المرسوم فعليا الى مجلة لحرية الصحافة.
واذا ما تأملنا في المشهد الاعلامي التونسي بعد الثورة يمكننا أن نعاين التعددية الفعلية التي أصبحت تثري هذا المشهد ويمكننا أن نتلمس النسبة الكبيرة من الحرية في الكتابات الصحفية ولكننا نلاحظ في المقابل مدى هشاشة وضعية الصحف التي أينعت بعد الثورة وحجم الصعوبات التي تواجهها من أجل البقاء ومواصلة الصدور.واضافة الى حرمان هذه الصحف من الاعلانات العمومية التي بقيت حكرا على الصحف القديمة تواجه الصحف الجديدة صعوبات في توزيعها وفي التزود بالورق وفي توفير تجهيزات متطورة لانتاجها وهذا ما جعل البعض منها ينقطع عن الصدور وأخرى تسعى لانشاء نقابة تدافع عن مصالحها وغيرها توجه نداءات الاستغاثة من أجل انقاذها ,لذلك يتعين مواصلة مسيرة الاصلاح التشريعي من أجل تكريس حرية الصحافة وتأمين بقاء وازدهار الصحف الجديدة حتى لا تضطر للالتجاء الى التمويلات المشبوهة والى الاستنجاد بالاجانب مع ما تفرضه هذه السلوكيات من تبعية في شكل جديد. وتتمثل هذه المسيرة الاصلاحية في مراجعة تنظيم قطاع الاشهار وتأمين منافسة قعلية في توزيع الصحف واقرار ضوابط واضحة وعادلة في توزيع الاعلانات العمومية بين الصحف ووضع آليات جبائية تحفيزية للتخفيف من أعباء اقتناء الورق وآليات أخرى لتمكين الصحف الجديدة من تجهيزات عصرية ومن وسائل نقل للصحف وللصحفيين ومن شأن كل هذه المنظومة التشريعية أن لا تفرغ حرية الصحافة من محتواها وأن تؤمن في النهاية حق المواطن في الاعلام
الاشتراك في:
التعليقات (Atom)